تحرير - سالي إسماعيل:
مباشر: "في نهاية المطاف سيأتي الركود الاقتصادي الأمريكي".. هذه هو الشيء الوحيد المؤكد الذي توصلت له مناظرة بين اثنين من الخبراء نقلتها شبكة "بلومبرج" الأمريكية.
لكن لا يزال السؤال؛ ما هو سبب الركود الاقتصادي المحتمل؟، ومتي سيحدث؟، وعند البحث عن إجابة نجد أن ديون الشركات هي السمة البارزة.
وناقش الكاتبان في "بلومبرج" ناير كيسار ونوح سميث خلال مناقشة عقدت مؤخراً عبر الإنترنت ما إذا كانت الكثير من الديون قد تراكمت على الشركات وما إذا كان ذلك يشكل خطراً على الاقتصاد.
ونستعرض فيما يلي المناظرة بين الكاتبين:
نوح سميث: يشعر العديد من الناس بالقلق إزاء ديون الشركات الأمريكية غير المالية والتي تعتبر عند أعلى مستوياتها على الإطلاق كنسبة لحجم الاقتصاد.
وبالنظر لمجموعة من عمليات الاستحواذ الكبيرة نجد أن العديد من الشركات تتمتع بمستويات مرتفعة من الرافعة المالية، لدرجة من شأنها منحهم تصنيف ائتماني "خردة" إذا لم يكن مراجعي التصنيفات الائتمانية متسامحين.
وبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في مراقبة سوق قروض الرافعة المالية بعناية مع انتشار هذه القروض، في حين أن "بنك أوف أمريكا" يعمل على مراقبة سيناريو حدوث ركود اقتصادي بسبب خسائر انهيار السندات غير المرغوب بها "سندات الخردة".
وتعتقد "دانييل دي مارتينو بوث" أن كميات كبيرة مما يسمى بالديون من الدرجة الاستثمارية ليست آمنة في الواقع.
وفي الوقت نفسه، تقلص الفارق بين عوائد السندات من نفس الآجل لكنها مختلفة في جودة الدرجة الائتمانية إلى مستويات تنذر بالركود الاقتصادي، كما أن الفيدرالي يعتزم مواصلة رفع معدلات الفائدة.
وبالتالي، لماذا لا يجب أن نكون قلقين بشأن ديون الشركات؟
ناير كيسار: لا أعتقد كثيراً أن هناك إشارات مقلقة تبدو في البيانات المالية للشركات.
بداية، لا يبدو أن الشركات لديها ديوناً مفرطة، ويمثل مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" حوالي 80% من الشركات العامة الأمريكية من حيث القيمة السوقية، لكن معدل الدين نسبة لحقوق الملكية يبلغ 113%، وهي نسبة أقل من المتوسط والبالغ 163% منذ عام 1990 وتعتبر نحو نصف القمم المسجلة في عامي 1999 و2007.
وبالطبع، بعض من هذا الخفض مرتبط بتخفيض المديونية من جانب البنوك منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
ويبلغ معدل الدين نسبة إلى حقوق الملكية لمؤشر القطاع المالي في "ستاندرد آند بورز 500" 158% بانخفاض من 563% المسجل في عام 2007 و585% في عام 1999، لكن الأرقام لم تعد مقلقة بعد استبعاد البنوك.
وبالنسبة لمعدل الدين نسبة إلى لحقوق الملكية لـ"ستاندرد آند بورز 500" باستثناء القطاع المالي، فارتفع لنسبة متواضعة نسبياً عند 93% مقارنة مع 75% المسجلة في عام 2007 والمستوى المتدني بعد الأزمة في عام 2010 والبالغ 68%.
ولا تشير تلك الأرقام إلى مطالب جادة بشأن قدرة الشركات على سداد ديونها.
ويقف هامش أرباح مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" قبل خصم الفوائد والضرائب كنسبة من المبيعات عند 13.3%، ما يعني وجود مساحة كافية للشركات لاستيعاب معدلات فائدة أعلى من مستوى الرافعة المالية الحالي.
نعم، هوامش الأرباح قبل خصم الفوائد والضرائب سوف تتراجع خلال فترة الانكماش القادمة لكن من المرجح بشدة أيضاً أن تنخفض معدلات الفائدة كذلك.
ويوجد أشياء يجب القلق بشأنها لكن لا يبدو أن ديون الشركات المفرطة واحدة منهم.
نوح سميث: أعتقد أن معدل الدين نسبة إلى حقوق الملكية بالنسبة للشركات غير المالية في "ستاندرد أند بورز" أعلى 18% مما كان عليه قبل الأزمة المالية العالمية لا يمنح إشارة بأن كل شيء جيد.
ولكن بشكل جوهري، لست متأكداً من أن هذ المعدل يُعد مؤشراً جيداً هنا، حيث أن ديون الشركات غير المالية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي عند أعلى مستوياتها على الإطلاق.
ومع مستويات الفائدة الحالية وارتفاع الأرباح لا تمثل خدمة هذا الديون معضلة بالنسبة لغالبية الشركات حتى الآن، ولكن في حال واصلت معدلات الفائدة مسارها الصاعد فإن خدمة الدين يمكن أن تُشكل سريعاً مشكلة كما أن الأرباح قد تنخفض إذا كان هناك ركوداً اقتصادياً.
وبينما ستتراجع حينها أيضاً معدلات الفائدة إلا أن معدل الفائدة الأمريكي عند 2% حالياً لا يعطي المساحة الكافية لمزيد من الخفض، وقد يصل بها الفيدرالي لمستوى دون الصفر بشكل سريع للغاية.
وحتى إذا أقبل المركزي الأمريكي على المشاركة في شراء أصول على نطاق واسع من أجل خفض عوائد السندات الخطرة فإن معدلات الفائدة تلك أيضاً عند مستويات هي الأدنى في عدة عقود لذا قد لا يكون هناك مجالاً كبيراً لذلك.
وعلاوة على ذلك، اعتقد أننا بحاجة للنظر ليس فقط لكمية الديون ولكن إلى جودة هذا الدين، حيث وجد الاقتصاديون أن حصة السندات الخطرة مقارنة بالدين الإجمالي هي مؤشر جيد للتنبؤ بالركود الاقتصادي.
وبالنظر للزيادة في قروض وسندات الرافعة المالية القريبة من فئة "الخردة" فإن التشابة يبدو مثل قروض الرهن العقاري منخفضة الجدارة الائتمانية.
وبالطبع، فإن مؤشرات الركود الاقتصاد عادةً تتوقع حدوث تراجعاً لا يزال أمامه عامين في المستقبل، وهذه المؤشرات مزعجة للغاية كما أنها إشارات على الضعف.
ورغم أن الوقت ليس مناسباً للذعر إلا أنه يبدو أن تراكم المخاطر في سوق سندات الشركات إذا ترك دون مراجعة لفترة أطول قد يكون مأزقاً كبيراً.
ناير كيسار: تعتمد ملائمة البيانات على الاهتمام، فإذا كان القلق هو أن الدين الكبير للغاية يُشكل تهديداً للشركات فإن معدل الدين إلى حقوق الملكية يعتبر معياراً مفيداً لقياس ما إذا كانت الشركات تشهد إفراطاً في الديون.
وبنظرة أكثر عمقاً، فإن ربحية السهم في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بلغت 123 دولاراً في عام 2017، ومع افتراض معدل ضريبة فعال بنحو 24%، فإن تقديرات الأرباح قبل الضرائب كانت 162 دولاراً.
كما نعلم أيضاً أن الأرباح قبل خصم الفوائد والضرائب كانت 163 دولاراً ما يعني أن تكلفة الفائدة لكل سهم تبلغ دولاراً واحداً تقريباً.
وباستخدام هذا النهج نفسه فإن متوسط تكلفة الفوائد بلغ 7 دولارات سنوياً منذ عام 2009.
لا أتوقع تكرار الأزمة المالية لكن حتى لو انخفضت الأرباح بمقدار النصف خلال فترة الانكماش التالية، فإن شركات "ستاندرد آند بورز 500" بصفة عامة لن تواجه مشكلة في خدمة ديونها على الرغم من أن بعض الشركات ستتعثر بلا شك.
وعلى الجانب الآخر، إذا كان القلق هو أن حجم أو جودة الديون ينذر بالركود الاقتصادي، فإني أشك بأن لدينا بيانات كافية لتقديم تنبؤات ذات مغزى.
نوح سميث: صحيح أن توقعات الركود الاقتصادي هي أمر غير مؤكد لكن هل يعني ذلك أننا يجب أن نستسلم ونرجع السبب لعدم قدرة أحد على التنبؤ بالركود الاقتصادي، كما أن دراسات عدة في السنوات الماضية منحتنا قدرة على توقع الركود القادم.
وبالإضافة إلى حجم الديون الخطرة، هناك علامة تحذير أخرى وهي انخفاض الفارق بين معدل عوائد السندات المحفوفة بالمخاطر وبين السندات الآمنة، ما يعني زيادة خطر ركود الاقتصاد في غضون عامين.
وفي عام 2006، أيً قبل فترة الكساد العظيم بعامين بلغ الفارق بين السندات ذات تصنيف "بي.إيه.إيه" وسندات الخزانة لآجل 10 سنوات أعلى قليلاً من 1.6%، وهي الآن تقف عند 1.9% بعد تراجعها بشكل كبير.
وبالنظر إلى تدهور علاوة المخاطرة بالنسبة لدائني الشركات وارتفاع الديون الخطرة، أليس من المنطقي أن نبدأ في القلق الآن قبل أن نصل إلى نقطة اللاعودة؟.
ناير كيسار: الخطر الأكبر بشأن سندات الشركات في الوقت الحالي هو أن المستثمرين يدفعون الكثير من الأموال لشرائها.
ومن الواضح أن المستثمرون لديهم شهية قوية تجاه سندات الشركات ذات الجودة العالية.
وبلغ متوسط الفارق بين العائد على السندات التي تمنحها موديز تصنيف "إيه.إيه.إيه" وسندات الخزانة الأمريكية لآجل 10 سنوات 1.4% منذ عام 1990 واليوم يبلغ 1%.
وبالفعل فإن الفارق بين عوائد السندات يتقلص بالنسبة للديون ذات التصنيف الأقل جودة.
والمستثمرون أكثر حرصاً على حيازة سندات الخردة أيضاً، وقد بلغ متوسط الفارق بين العائد على مؤشر بلومبرج باركيلز لسندات الشركات الأمريكية ذات العائد المرتفع ومؤشر بلومبرج باركليز لسندات الشركات الأمريكية 4.4% منذ عام 1990، وهو ما يبلغ 2.5% اليوم.
وتكمن المشكلة التي يمكن التنبؤ بها في أنه عندما يحدث الركود الاقتصادي القادم فإن حالات التخلف عن السداد سترتفع وسوف تتسع الفوارق الائتمانية، ما يؤدي إلى تكبد مزيد من المستثمرين لخسائر.
ومن أجل الحد من المخاطر، يجب على المستثمرين التراجع عن الاستثمار في سندات الشركات حتى تكون الفوارق الائتمانية قادرة على تعويضهم بشكل كافٍ عن المخاطرة.
وفي الوقت نفسه، كل هذه الديون الرخيصة هي أمر إيجابي للشركات شريطة عدم الحصول على الكثير منها، وعند تحديد حجم عبء ديون الشركات، علينا أن نضع في اعتبارنا أن الأزمة المالية جعلت من الاقتراض أمراً مخيفاً.